الأربعاء، 23 مايو 2018

رسالة إليه

سأكتب إليه رسالة وأنا متأكدة من أنها ستصله، بل متيقنة من أنه يعلم كل حرفٍ كُتب فيها، والجزء المحذوف منها، حتى قبل أن أفكرَ بالكتابة!
دائمًا أخاف أن أكتب له، بالرغم من أني أتحدث إليه طيلة الوقت، دون أن يسمعني أحد، ودون أن يراني أحد، وخارج حدود سجادة الصلاة، أتحدث إليه حين أدرس، حين أخلد إلى النوم، حين أصحو من رمادي، حين أفكر، حين أحلم، حين أغضب وأبكي وأضل الطريق، وأعرف أنك تسمعني، يا حبيبي يا الله.
قررت منذ مدَّة، بأن أبدأ بالكتابة إليك، أو لنقل: لروحي وذاتي؛ فأنت يا رحمنُ يا رحيم أعلم بما يخفيه صدري وقلبي، أنا بحاجة لأعلم ما كل هذا الضجيج في داخلي؟ ولا أحد سواك سيفهم ما بي!
منذ زمن وأنا أحاول، وفي كل مرة عندما أبدأ بالمحاولة تتحجر أناملي ويتشنج صوتي، كيف لي وصف رحمتك يا الله! كيف لي الكلام عن عظمتك، عدلك عن غفرانك وحنانك، عن نعمك وعن حبي لك!
لم أقدر .. ولن أقدر .. سأبقى عاجزة .. يا حبيبي يا الله.
أما اليوم، فلم يتغير شيء، لكن سوف أكتب عن ضعفي وضياعي، عن شوقي للقاء نبيك الكريم، وعن لهفتي لرؤيتك، عن الحب الكبير لك في داخلي، وعن عجزي بالإفصاح عنه.
أنا يا الله أُجاهد نفسي، وأحاول الثبات بشدة، لكن الإنسان كثيرُ الخطأ، والنفس تتوق لإشباع الشهوات، وتعلق أكثر في هذه الدنيا الفانية .. أنا يا الله أعود للتوبة بعد كل ذنب أرتكبه دون قصد، وأبكي خوفًا، ندمًا وخجلًا!
أبكي لأنك تدعوني في اليوم خمس مرات لأقف بين يديك، لكي تهدأ روحي من ضجيج الحياة وتسمو في السماء، وما زلتُ أجري وراء مشاغل الحياة، أبكي لأنك منحتنا كلامك الكريم، وأنا أنشغلُ عنه!
ألم أقل لك: إنني متعبة يا رب؟ وتائهة؟!
مرهقة من قلبي، من دفئ روحي، من شغفي بأشياء لم أملكها، من النصيب والقدر، من المجهول!
متعبة من الحزن، من المجاملة، من الخذلان، ومن القسوة في قلوبهم، من هذه الروح التي ما عادت لها القدرة على شيء، من نبضي الذي صار يؤلمني، أنا آسفة يا الله!
عندما تغلق عليَّ بابًا أريده، أعلم أنك تنجيني من بلاء لا أستطيع تحمُّله، أعلمُ أنك لا تكلف نفسي إلا وسعها، وأعلم أنك تحبني، لذلك فأنت تبعد عني من لا يحبني، كي لا يمسسني ضرر، أعلم أن ما مضى، لو كان خيرًا؛ لبقي.
لم أُجبَر يومًا على كسرِ مبدأ من مبادئي التي أفنيت عمري حتى صنتها، و كنت أظن نفسي محصنة كفاية لأواجه مثلُ ذلك، ولكن..!
أحمدكَ على كل حال، ولا أعترض على قضائك، لكنني ضعيفة .. ضائعة، دونهم ودونك! يا حبيبي..
لم يكذب أحدٌ على أحدٍ، كما كذبتُ أنا على نفسي، منذ أن عرفْتُني، وأنا أعدُ نفسي بأني سأتغير عندما أستيقظ، استيقظتُ كثيرًا، ولم أتغير ولو قليلًا، أعاهدُ نفسي دومًا، وأخون عهدي من جديد .. أحاول فأفشل .. ضعيفة يا الله وقلبي حزين، والكتمان يثقلني، وكل مأساتي في قلبي الذي ينبض أكثر مما يجب، وفي إحساسي المرهف حدَّ اللامعقول..!
كن لي عونًا يا معين وأصلح حالي، وامح وجعًا ما في يساري، وأنره من جديد، أنت علام الغيوب ووحدك جابر الخواطر، أنت العالمُ بي والأقرب إليّ من حبل الوريد، لا تطفئ كل الشموع في وجهي.
ساعدني يا الله أن أجد نفسي وقلبي وروحي، ساعدني أن أجدد حياتي، أحتاج إلى قوة تدفعني إلى الأمام، أحتاج قلبًا أقوى: لا يسكب الدمع كلما حلَّ الظلام، أحتاجُ أن أكون لك أقرب دون الأنام.
ليكن قلبي كما كان يا الله، حرًّا يُحلقُ مختالًا!
إليكَ ألتجئ، وبكَ أعتصم، وعليكَ أتوكل، وإليكَ ألقي أموري، وأسلِّم نفسي، لا تقطْعني عنك، دلني عليك، حتى أجد بمراقبتك أنسَ الدنيا والآخرة، يارب قلبي تملؤه محبتك.
إلى سبل السلام التي تعلُو خُطى البشر، والطريق السّوي الصحيح الذي لا يزل، دُلَّني يا رب العالمين.
إليكَ كل الكلام، كل الرغبات والأماني والدُّعاء، يا واسعَ الرحمةِ والمحبةِ.
المُحبَّةُ سُمية.